رؤي
واصله عباس
أما الخرطوم فلا إنسانيون لنصرتها
في كل يوم تشرق فيه الشمس ، نزداد يقينا أن الفرج بين قاب قوسين أو أدني ، ربما تأتيني البشارات التي نحبها ، ونشتاق الي سماعها ، و الخرطوم تخوض في الحرب الشعواء التي هدفت للنيل من مكتسبات الوطن وسيادته ، لم يكن الخروج من الخرطوم غايتنا ولا ضمن خارطة خطتنا هربا من الجحيم الذي ألقيت فيه ، ولكن خرجنا منها بحثا عن دواء يعيد العافية الي بدن أخي حامد ( رحمه الله رحمة واسعة وجعل مرضه كفارة له ) ، خرجت وثمة آمال وآمنيات تراودني لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، ونرجع مجبورين الخاطر ، خرجنا وتركنا قلبنا علي ربي امدرمان الحبيبة ، نتقاسم معهم وجل الدانات والمدافع ، وأسماعنا المرهفة نضع آصابعننا في آذاننا حذر قذف المدافع والصواريخ ، ولكن سطر سكان الخرطوم ملحمة قوامها القوة والصبر والثبات علي الرغم من الجوع والفقر والعدم والمرض ، والجميع يعيش تحت خط الخطر في كل لحظة تتصيدهم الأسلحة بكل انواعها ، حتي الصغار باتوا علي دراية وعلم ومعرفة بالمعركة واسلحتها ، ظلت الخرطوم تدفع ضريبة الوطن ، وغابت أيادي الخير والإنسانية عن تضميد جرح الخرطوم ، غابت المنظمات الدولية والوطنية وغل الخيرين ورجال الأعمال اياديهم من مساندة أهل الخرطوم الصامدين المتمسكين بالبقاء رغم العناء والعوز والحوجة والمسغبة ، فلاجرحهم يؤلمهم ، ولا جوعهم يؤذيهم فلما السؤال عنهم والسعي في قضاء حاجتهم ، ففي كل يوم نتواصل فيه مع الاهل للسؤال عن أحوالهم وحالهم ، تسبق ردودهم كلمة (الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه) ، فتكون ردودنا عليهم والقلب منقبض ودمع العين يسبقنا ، نمد اليد سراعا نخشي أن نضعف قوته ( إستودعتكم الله الذي لاتضيع ودائعه ) ، ننام وعقولنا منشغلة بالسفر إلى حيث الخرطوم التي لازلنا نعيش فيها بعقولنا وقلوبنا ، يبقي السؤال الي متي تظل رقاب أهل الخرطوم معلقة في آتون المعركة التي طال أمدها ؟ والجميع يعلم أن سبعة أشهر كفيلة بهد الجبال فكيف بإنسان سُدت في وجه منافذ الأمان يعيش في خندق لايتيح له ان يمدد رجليه آمنا ، وليس هنالك أدني مقومات او جاهزية أو إمكانية للاستمرارية في تلك الحرب ، يعيش سكان الخرطوم في ظل انعدام الأمن الغذائي ، و توقف كل الخدمات وعدم استقرار التيار الكهربائي، والتعايش الإجباري مع انعدام المياه التي أصبحت المعاناة الحقيقية مما ترتب عليها أمراض الكلي والتي ندفع ضريبتها للمرة الثالثة وسط إخواني.
يبقي السؤال هل صبر الخرطوم وسكانها مدعاة لصمت الجهات المسئولة التي عجزت في ظل فشل المفاوضات عن إيجاد المسارات الآمنة التي تُعد بمثابة الاوردة والشرايين التي تُمكن من تسيير المساعدات الإنسانية الي السكان المحاصرين والمتخندقين في ساحة المعركة ؟ ، حتي اللحظة لم تتقدم المنظمات الإنسانية الركب لتقديم الخدمات والعون والمدد ، بل تقدمت المبادرات الأهلية والفردية ورغم قلتها إلا أنها اشعرت السكان أن هناك من يشعر بوجعهم ويضمد جرحهم، الان الخرطوم صبرت صبرا تهدمت الجبال منه ، صبر حتي الصغار باتوا لايعرفون اللهو البرئ، ووأدو أحلامهم ، وأحرقت المعارك دفاترهم ، ولكنهم يستطيعون التمييز بين أصوات الدانات والمدافع والصواريخ والمضادات ، ويحفظون الجدول الزمني للمعارك
فليعلم الجميع أن الخرطوم التي حملت الجميع عِيل صبرها ، وجف دمعها ، وخبأ بريقها ، وماتت الامنيات والأحلام في طرقاتها ، فأصبحت فضاءتها بارودا، وثراها قبورا ، فمن يجير الخرطوم في كربتها ؟ ، ومن يقيل عثراتها وهي تعيش الان تحت القصف والدوي ؟ ،حتي علمت أنه لا بواكي عليها ، وقد فر منها من كانوا يوما يستنكرون علي أهلها أنهم ملحها مرددين عبارة (الخرطوم ماحقت زول ) ، ولكن الآن ومن بين آتون المعركة برز أهل الخرطوم الصامدين المتمسكين المتخندقين فيها ، ولكن من يرفع الراية لنجدتهم وغوثهم ومساندتهم ودعمهم بتوفير المعينات والخدمات الصحية والغذائية والامنية ؟ ، بجانب العمل علي عودة الحياة الهانئة الي بدنها الذي ارهقته حرب السبعة أشهر ، فهل يطول الانتظار بتسيير جسر إنساني قوامه منظمات لاتعرف غير الإنسانية والعطاء وتوفير المسارات الآمنة ؟ ، وهل تجد الخرطوم رجال أعمال وخيرين مسانديين لإنقاذ سكانها الذين تعسرت عليهم الحياة حتي ضاقت عليهم الارض بما رحبت ،، ولكن في المقابل يزداد إيمانهم أن الله معهم وسينصرهم قريبا؟
رؤي أخيرة
تري من هو الفارس الذي سيتقدم الركب ليرمي من كنانته سهم الخير حتي تضحك سماء الخرطوم ؟ أما سيطول الانتظار ؟