أعمدة رأي
أخر الأخبار

الرجل الإنسان مولانا خالد ميرغني في معسكر العفاض ، وهنالك تكلمت الإنسانية بلغة القلوب

✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

لقد تعودنا على الخطب العصماء في المناسبات العامة ، وكما أصبح التصفيق منظراً مألوف لدينا ، ولكن قد تمر بنا لحظات يتقدم فيها الإنسان بإنسانيته على منصبه ، وبقلبه على رتبة ، وبرحمة على ما هو مألوف لدينا ، ولكنها لحظات نادرة ولذلك يجب توثيقها حتى لا تضيع في زحمة الحياة .

 

في معسكر العفاض بالدبة ، وبين وجوه الأطفال وقف مولانا خالد ميرغني ، قاضي المحكمة العليا ورئيس الجهاز القضائي بالولاية الشمالية بينهم ، وذلك ليس بصفته الرسمية ، فإنسانيته كانت أعمق من كل شيء وقبل كل شيء كان حضوره الانيق .

 

 

رجل يرتدي ثياب الوقار القضائي ، لكنه كان يخلع عن كتفيه كل مظاهر وجاهة المنصب ، يربت مواسياً على أكتاف ورؤوس أطفال المعسكر ، لم يكن يسأل من أين جاءوا ، أو ماذا فقدوا ، كانت عيناه تفهمان قبل أن يُقال له أي شيء ، وملامحه تحمل ذلك الصمت الحكيم الذي لا يجيد إلا لغة التعاطف و الوقار .

 

دخل المعسكر بوصفه أب يشعر بوجع الأطفال ، وكقلب يرى في كل نازح أهلاً ووطناً ، كان يمشي بخطوات خفيفة ، كأنه يخشى أن يوقظ حزناً نائماً ، أو يعيد إلى أحدهم ذكرى حاول أن يخفيها بين ضلوعه ، يقترب منهم ، وينحني إلى مستواهم ، ويبتسم لهم ، ثم يرفع رأسه إلى السماء كأنه يستنطقها عن سر كل هذا العناء .

 

هذا المشهد الذي علق في ذاكرة الناس في هذا المعسكر لم يكن مؤلماً للكبار ففط ، فقد كان في السيارة طفل في الحادية عشرة من عمره ، إنه يسن خالد ، إبن مولانا خالد ميرغني ، طفل لم ينزل من مكانه إلى المعسكر ، لا كسلاً ولا خوفاً ، ولكن لأنه ببساطة موجعة لم يحتمل أن يرى إنساناً منكسر الإنسانية ، وحينما سُئل عن سبب بقائه في السيارة ، لم ينطق بما ينطق به الأطفال عادة من أعذار سريعة ليس لها معنى … ولكنه قال جملة أثقل من عمره ، وأعمق من أن تُقال على لسان طفل صغير: (والله ما قدرت أكون في مكان فيه الإنسانية مكسورة) .

 

يا الله… أي قلب هذا الذي يشعر بهذا القدر من الألم قبل أن يشتد عوده ؟ ، وأي أب هذا الذي ربى طفلاً يرى بعينيه ما يعجز الكبار عن رؤيته؟ ، إنه مشهد يجعل الحزن يتمدد في الصدور ، ويجعل المرء يوقن أن البنوة الصالحة هبة من الله ، وأن بعض الأطفال يولدون بضمير يشيخ قبلهم بسنوات ، وكأن الرحمة سكنت قلوبهم قبل أن يتعلموا كيف يُمسكون بالقلم .

إنها صور لم تلتقطها عدسات الإعلام بقدر ما إتلتقطها ذاكرة الناس ، فالإنسانية حينما تكون صادقة ، لا تتصنع ، ولكنها تندلق من القلب كما الماء، تتسلل وتملأ المكان دون عناء .

في هذا الأيام الحالكات يصبح وجود رجل بمثل هذا النقاء ضرورة واجبة ، رجل يعرف أن العدالة هي امتداد رحيم للضمير الإنساني ، وأن القاضي الذي يلمس جراح الناس بيده ، سيكون أقدر على حماية حقوقهم بروحه ، إنه رجل إستثنائي يكتب تاريخه المشرف بالمواقف

فحين يصمت صرير القلم عن الكتابة ، تبقى الصورة التي ترافق الحدث شاهدة على أن بعض البشر لا يحتاجون إلى تعريف طويل ، فحضورهم وحده كاف ليقول كل شيء .

الله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل

Seafr Alinsania

(سِفر الإنسانية) ، صحيفة للخير والعطاء دون رياء ، (سِفر الإنسانية) ، آيادي تمتد لتمسح دمعة الحزن علي الوجوه الكالحة ، (سِفر الإنسانية) ، آيادي تربت علي المحزون والموجوع ، (سِفر الإنسانية) ، لوحة ترسم معالم العطاء علي وجه الحياة ،(سِفر الإنسانية) بطاقة دخول لعالم الخير ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى