بحوث ودراسات
أخر الأخبار

العمل التطوعي في المجتمعات العربية ضرورة تغيب ثقافته وتنظيم

موقع صحيفة العرب

 

يواجه العمل التطوعي في المجتمعات العربية مشكلة أساسية تتمثل في ضعف ثقافة التطوّع التي تحتاج إلى وجود عوامل عديدة لإشاعتها بين الشباب خصوصا منها توفر الإمكانات البشرية والمادية، وتدريب المتطوعين وتأهيلهم وفق أسس عملية وأخلاقية.

بغداد – تشهد المجتمعات العربية نشاطا ملحوظا للقطاع الأهلي التطوّعي وإن بتفاوت بين بلد عربي وآخر، لكن هذا النشاط يبقى دون تنظيم مع غياب سياسات وإستراتيجيات واضحة ومنهجية في العمل التطوّعي والخدمة العامة، حيث لا يزال الشباب من سنّ 15 حتى 30 سنة أقل فئة مهتمة بالتطوّع، ولا تزال الجهود التطوّعية بشكل عام دون المستوى المطلوب.

وقد لاحظ تقرير ”المنظمات الأهلية العربية” أن المنظمات الأهلية العربية تشكّل قوة اقتصادية كبرى من منظور حجم إنفاقها على مشروعاتها، وأن القطاع الخيري الأهلي قطاع ثالث إلى جانب الحكومات والقطاع الخاص.

وبشکل عام هناك نقص في البحوث الجيدة والبيانات حول التطوع، إذ لا يتوفر تقرير واحد عن أعداد المتطوعين في الدول العربية والقطاعات التي يتطوعون فيها، ويُشکل عدم وجود بيانات موثوقة تحديا کبيرا لاستمرار مشاريع ومبادرات العمل التطوعي وتوسيعها.

وواقعيا لا يمكن فصل العمل التطوعي عن منهج علمي وأكاديمي، وإلا تحول إلى منظومة أخلاقية عشوائية، فالهلال الأحمر في عدة دول يعقد دورات ومنتديات وورش عمل علمية ونقاشات في مواضيع مهمة مثل البيئة وتحدياتها في ظل النزاعات المسلحة، مسترشدا برأي الدين أيضا، إذ تستضيف هذه المؤتمرات والندوات مجموعة كبيرة من الكفاءات ورجال العلم والدين في الشرق الأوسط.

ويعمل الهلال الأحمر ضمن رعاية الدول وبالتعاون مع الصليب الأحمر ومنظمات إقليمية مشابهة وجامعات ومستشفيات عالمية لتقديم خدمات صحية ورعاية الماراثونات والنشاطات الرياضية، إضافة إلى لمّ شمل المشتتين بسبب الحروب إلى جانب مشاريع الغذاء والدواء والإيواء وغيرها.

ويختلف العمل الخيري والتطوعي لأن العمل التطوعي وفق لغة القانون هو عمل أفراد، بينما العمل الخيري، عمل كيانات بموجب تشريعات وتراخيص من قبل السلطات. وفيما يعنى الأول بتنظيم فعاليات عامة وتقديم أعمال مساندة للأجهزة المدنية، يهتم النوع الثاني من العمل الخيري بتقديم سلع أو أموال لمن يحتاج إليها دون أي مقابل مادي.

ويقول مختصون إن العمل التطوعي في البلدان العربية يحتاج تحديدا إلى إشاعة لغة القانون بشكل أكبر لتنظيمه، ووفقا للصحافي الأردني صبري ربيحات “يختلط مفهوم العمل الخيري مع التطوعي، مع أن كليهما يصب في خدمة المجتمع، فجمع التبرعات أصبح مهنة من لا مهنة له، وأدى هذا الخلط إلى تحويل العمل الخيري في بعض الأحيان إلى تسول، تحت عنوان جمع التبرعات للمحتاجين والفقراء، ثم التصرف بالأموال كما يحلو لهم.”

ومن أبرز الأسباب التي تمنع الشباب من المشاركة المجتمعية هي البطالة والضغوط الحياتية، وعدم وجود فرص تناسب اهتمامات الشباب، إضافة إلى عدم اهتمام الشباب بالمشاركة، وتُظهر هذه الأسباب وبنسبة ملحوظة عدم وجود مانع واضح أمام الشباب لعدم تطوعهم، بالإضافة إلى أن التعلل بالبطالة لا يُعد سببا قويا في منع الشباب عن التطوع، إذ أن البطالة تعني أن هناك أوقات فراغ أكبر يمكن استثمارها في التطوع، بالإضافة إلى أن المشاركة في الأعمال التطوعية تساهم في دعم المعارف والخبرات الشخصية، وتعزز من فرص الحصول على فرصة عمل مدفوع الأجر.

ويرى البعض أن المشكلة الأساسية تتمثل في ضعف ثقافة التطوّع في المجتمع بشكل عام، وهو ما يعكسه ضعف الإقبال على عضوية جمعيات النفع العام، والسبب الرئيسي لهذا الضعف، تفضيل الاتجاه إلى المشاركة في الأنشطة ذات المردود المادي نظرا إلى النقلة المادية التي يعيشها المجتمع والمتطلبات الاجتماعية التي ترهق غالبا كاهل الأسر، وهذا أمر غير متوافر في حالة الجمعيات الخيرية والتطوعية التي تقوم على مبدأ العمل المجاني.

وفضلا عن ذلك، فإن العمل التطوعي يقتطع كثيرا من الوقت الذي يفضل البعض استغلاله في الراحة بدلا من الالتزام بأي أمور أخرى، ومن بينها التطوّع للعمل في المنظمات الإنسانية. وفي هذا السياق، هناك قصور لدى بعض جمعيات النفع العام إجمالا في المجتمع على الصعيد الخاص بتنظيم أنشطة تنهض بالعمل التطوعي، وتنهض بثقافته.

 

وتمثل هذه المشكلة عائقا أمام تطوير العمل التطوعي، حيث إن هذا المجال يحتاج إلى متطوعين ينفذون البرامج والأنشطة الخاصة بالمنظمات التطوعية. ومن ثم، فإن هناك ضرورة أساسية لتنمية الثقافة التطوعية، حتى يكون بالإمكان تشجيع الكثيرين على الانخراط في مجال التطوع.

  1. وهذا الأمر يتطلب العمل على محاور عدة أولها، تأكيد أهمية العمل التطوعي الذي يعتبر من القيم الإنسانية والدينية النبيلة. إضافة إلى توجيه المزيد من الدعم لمصلحة جمعيات النفع العام، والتي يعاني بعضها معيقات مادية وظرفية ومكانية تحول دون تواصلها مع الآخرين، وهذا الأمر من شأنه المساهمة في تحريك المسار الاجتماعي وتغيير الاتجاه السلوكي لدى الناس باتجاه إدراك أهمية العمل التطوعي وقيمته.

كذلك يتطلب العمل تنظيم برامج تدريبية للمتطوعين مع استقطاب الخبرات التطوعية والاستفادة منها، وذلك على النحو الذي يصقل مهاراتهم وينمي قدراتهم في هذا الصدد. وتنظيم أنشطة تطوعية سنوية على مستوى الدولة لدعم منظومة العمل التطوعي، ويمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بدور مؤثر في هذا المجال من خلال خارطة برامج توضح أهمية العمل التطوعي بالنسبة إلى الفرد والمجتمع على السواء.

وهناك ما يخص المتطوع ذاته والذي يجب عليه تنفيذ المهام المكلف بها بكفاءة وفاعلية، والالتزام بقواعد العمل الجماعي، والتعامل الإنساني مع الآخرين، والمشاركة في النشاطات الخاصة بمجالات التطوع.

وتنظر الدول بشكل عام للعمل التطوعي باعتباره نشاطا خاصا بالمنظمات الأهلية، مع عدم وجود إدراك كاف بالقيمة الاقتصادية التي يمكن أن تعود على الدولة عبر تشجيع العمل التطوعي، وإمكانية المساهمة في دعم خطط الدولة وبرامجها.

ويعتبر التطوع اليوم أحد أهم مؤشرات التنمية في البلدان، وتزيد نسبته في أوقات الكوارث والحروب والنكبات، ففي سوريا على سبيل المثال انتشرت الفرق التطوعية بشكل كبير في فترة الحرب، وكان عملها يتمحور حول مساعدة المتضررين والنازحين داخل البلاد، بالإضافة إلى الفرق التطوعية التي اهتمت بتطوير مهارات الأشخاص، مثل فريق مشروع أكشن في دمشق، الذي يقدم مجموعة واسعة من الدورات التدريبية المجانية للأشخاص المحتاجين وغير الحائزين على شهادة جامعية.

وأكدت رؤى عليقة المنسقة الإعلامية للفريق في تصريحات سابقة أن “‏أكشن مشروع تنموي تطوعي مجاني تم تأسيسه عام 2016، يهدف إلى مساعدة العاطلين عن العمل وغير الأكاديميين على تعلم مهنة محددة عبر منحة مجانية، حيث يقدم أكشن عدة دورات منها الحلاقة ‏الرجالية والنسائية، والتكييف والتبريد، ‏والسوفت وير، وإعداد باريستا وغيرها.”

ومن أبرز المشكلات والتحديات التي تواجه العمل التطوعي في العالم العربي الحاجة إلى أنظمة رسمية تؤطر العمل التطوعي، وتشجع عليه وتكفل حقوق الجميع، وكذلك على المجتمع العربي أن ينظر إلى العمل التطوعي على أنه عمل له أخلاقيات ومبادئ وأسس، ويجب أن يتم بدرجة التزام واحترافية عالية، بالإضافة إلى ضرورة إعداد البرامج والأنشطة الواضحة ووجود الإدارة الجيدة.

وفي محاولة لتجاوز هذه المشكلات ظهر ما يسمى “عالم التطوع العربي” كمبادرة بجهود فردية وبالاستفادة من انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الإلكترونية، حيث أسس عام 2006 بهدف نشر ثقافة العمل التطوعي، وإبراز دورها في التنمية الشاملة للمجتمعات العربية، عبر الإسهام في تطوير الأعمال التطوعية وتنظيمها وتوجيهها، والتفاعل مع الاحتياجات التطوعية والأحداث والطوارئ والكوارث الإنسانية، وهو منتشر في عدد من الدول العربية عبر أندية “عالم التطوع العربي” في مصر والسودان واليمن والكويت والإمارات وغيرها.

ويتطلب نجاح العمل التطوعي وجود عوامل مثل التخطيط الجيد للمؤسسات التي تقوم على هذا العمل، ووضوح الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، وتوفر الإمكانات البشرية والمادية، وتدريب وتأهيل المتطوعين من أجل إنجاز الأعمال التطوعية بالمستوى المطلوب.

وأصدرت مؤسسة المساعدات الخيرية “كاف” بلندن، أحدث تقرير لمؤشر العطاء العالمي 2023، والذي يستمد بياناته من مسح أجرته مؤسسة جالوب الدولية لاستطلاعات الرأي، حيث شمل 147186 ألف مقابلة مع بالغين في 142 دولة على مدار عام 2022 لتحديد مؤشر العطاء العالمي عبر ثلاثة أسئلة ومؤشرات؛ هي مساعدة شخص غريب، والتبرع بالمال، والتطوع بالوقت والجهد، بهدف رصد أكثر الدول والشعوب عطاء في العالم.

وأوضحت البيانات أن عام 2021 كان أكثر السنوات كرما وعطاء، حيث وصلت مساعدة الغرباء في هذا العام إلى أعلى مستوى لها، فقام ثلاثة من كل خمسة بالغين في جميع أنحاء العالم بمساعدة شخص غريب لا يعرفونه، بنسبة 62 في المئة، وهو ما يعادل 3.5 مليار شخص، بينما أفاد أكثر من واحد من كل ثلاثة أفراد حول العالم بنسبة وصلت 35 في المئة أنهم تبرعوا بالمال للأعمال الخيرية، وأفاد ما يقرب من واحد من كل أربعة أشخاص على مستوى العالم بنسبة وصلت 23 في المئة أنهم تطوعوا بوقتهم للأعمال الخيرية، أما فيما يتعلق بعام 2022 فقد تم الحفاظ على مستويات الكرم والعطاء الحادثة في عام 2021، ولكن بنسب تتفاوت قليلا؛ حيث بلغت درجة مؤشر العطاء العالمي 39 درجة، أي أقل بنقطة واحدة فقط من المستوى المرتفع المسجل في عام 2021 والذي وصل إلى 40 درجة، فيما وصلت مساعدة الغرباء في عام 2022 نسبة 60 في المئة، ونسبة من تبرعوا بالمال 34 في المئة، ومن تطوعوا بوقتهم نسبة 24 في المئة.

وجاءت الدول العشر الأكثر كرما في العالم هي على الترتيب؛ إندونيسيا في المرتبة الأولى، تلتها أوكرانيا، ثم كينيا، وجاءت ليبيريا في المرتبة الرابعة، تلتها الولايات المتحدة، فميانمار ثم الكويت، بينما حلت كندا في الترتيب الثامن تَلتها نيجيريا، واحتلت نيوزيلندا المرتبة العاشرة.

 

Seafr Alinsania

(سِفر الإنسانية) ، صحيفة للخير والعطاء دون رياء ، (سِفر الإنسانية) ، آيادي تمتد لتمسح دمعة الحزن علي الوجوه الكالحة ، (سِفر الإنسانية) ، آيادي تربت علي المحزون والموجوع ، (سِفر الإنسانية) ، لوحة ترسم معالم العطاء علي وجه الحياة ،(سِفر الإنسانية) بطاقة دخول لعالم الخير ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى