في ردهات الحياة الواسعة وفي ظل ضميرها المستتر عن كل النقائص والمنغصات ،وفي مكان ما كانت هنالك بقعة تتمدد فيها حياة الكثيرين بلاهدف ولاغاية إلا بعد التوكل علي الله الحي الدائم ، وعند كل بزوغ يوم جديد كانوا يستقبلونه بالدعاء والإبتهال الي الله أن يكون معهم بكرمه ولطفه ورعايته فقد كانت طيبتهم السمحة وفطرتهم الناصعة البياض تفيض محنة ومحبة وتدعو للكل بالسلام والمحبة.
وهم دوما يرددون (البصبح علي همه القديم فضلاً من الله الكريم) ،كان التوكل شيمتهم ، وصفاء النية ديدنهم ، والمحبة والسلام شعارهم ، احلامهم لم تكن كأحلام المترفين والمنعمين ، كانت أكبر أمانيهم التي يطلبونها من الله الرحيم أن ينعم عليهم بالصحة بالستر والرضا عنهم ، وكل شئ بعد أمانيهم هذه هين .
كان إمتداد هذه البقعة يحازي النيل فيصحو ساكنيه علي صوته الذي ألفوه ويعرفون كنه لغته ويعلمون متي تكون غضبته وفرحته وذلك من حركة امواجه ، الصيادون والمزارعين هما اكثر فهما للغة النيل فتعلموا متي يرمون شباكهم في جوفه ؟ ومتي يضعون بذورهم علي حافته ؟ ، فقد كان بينهم والنيل عهداً وميثاقاً بأن لايأخذ منهم عزيزا لهذا فأبناءهم يجيدون الغوص في أعماقه ومعرفه مابداخله .. إلا أن النيل كان هو الغادر في كثير من الاحيان ،رغم أنهم يتعهدونه بالرعاية والمحبة ، كان صديقهم الذي يبثونه أشواقهم ولواعجهم ويبكون وجع قلوبهم علي شواطئه ويغسلون حزنهم بماءه ، ويشهد علي غرامياتهم فقد كان مسرحاً للعشق والعشاق والقمر شاهدا ايضا علي ذلك اللقاء البرئ، والنيل في حلته الحالكة السواد ثمة نجيمات تطفو علي سطحه كأنما ترفض أن يكون السواد شيمته.
سنوات مرت والحياة لاتعطيهم إلا مايكفيهم وما يسد رمقهم وهم في رضا تام رغم أنهم ليس لديهم مايدخرونه لنوائب الزمان وقسوتها فعبارة الرزق مقسوم تكسي قلوبهم النقية ، وتكافلهم كان يبدد خوفهم.
وتمر السنين الاخريات وفي كل يوم من هذه السنوات تتباعد خطاهم مع من يحبون ، فالابواب الكبيرة أوشكت أن تُسد بعد رحيل كبارها الذين كانوا يشكلون الركيزة الاولي التي تستند عليها تلك البقعة القاصية