عمق الأقاصي
بابكر بشير
🔲 لا تقتصر معاناة المواطنين في حروب السودان، على ظروف النزوح و التهجير والتشريد و مشاعر الخوف و عدم الأمان، بل تزداد قساوتها عند انقطاع الخدمات العامة و الإنسانية، الأمر الذي يدعوا إلى القيام بمهمات شاقة، و التفكير خارج إطار الصندوق للبحث عن فرص جديدة لإستمرار الحياة.
ظلت مدينة كادقلي حاضرة جنوب كردفان، أسيرة حروب لسنوات طويلة، منذ إندلاع الشرارة الأولي قبل ثلاثة عقود ماضية، بل إزداد الخناق عليها عقب إشتعال نيران الحرب المستعرة حالياً بين “القوات المسلحة الحكومية و قوات الحلو من جهة و الدعم السريع من جهة أخرى” مما شكل طوقاً من الظروف القاسية على مواطني المنطقة، بحجب المؤن و المواد الغذائية و السلع الأساسية، و الخدمات الصحية.
◻️ عمدت قوات الحركة الشعبية بقيادة الجنرال عبد العزيز آدم الحلو على شد حبل الخناق على المنطقة، من خلال الحصار الذي ضربه، بقطع الطريق الرئيس المؤدي إلى حيث حاضرة الولاية “كادقلي” في توقيت أقل ما يوصف بالسيئ و غير المناسب، لتزامنها مع حرب دعاة دولة 56، فتكهنت التكهنات و صدرت الروايات، عن أنه خيانة جديدة في دفتر اتفاقات السياسية السودانية في نقض العهود و المواثيق، فالرجل كان لديه اتفاق مبرم بين الحكومة و جيشه، ينص على وقف العدائيات و إطلاق النار بين الجانبين، استمر لفترة ليست بالقصيرة، تنسم من خلاله سكان جبال النوبة هواء السلام، و ذاقوا طعم الإستقرار، بيد أن الأخير اختار منهج العنف المسلح، بمهاجمته معسكرات الجيش و إطلاق القذائف على مدن الولاية “كادقلي، الدلنج” وقطع الطريق الرئيس الرابط بين حاضرة الولاية و بقية المدن الأخرى، قاصداً إحداث مزيداً من الضغط على الحكومة و بعثرت أوراقها و هي تقود حرب ضروس مع الدعم السريع، و بهذه الخطوة تعقد المشهد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي بالولاية، خاصةً ما يلي توفير السلع الغذائية و الخدمات الإنسانية من دواء و صحة و غيرها.. في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أوضاع سياسية و أمنية قاسية و صعبة.
◻️ وسط هذه الظروف المعقدة خرجت من رحم المبادرات المطروحة بجنوب كردفان، مبادرة أهل كادقلي الناشدة للمساهمة في تقديم المعالجات الضرورية اللازمة للأوضاع ( الاجتماعية والاقتصادية ) الحرجة، و تقديم خدمة اسعافية تعين حكومة الولاية في تعزيز السلم الاجتماعي، و رتق النسيج بين المكونات المجتمعية، و المساهمة في تقليل حدة خطاب الكراهية، إلى جانب تقديم الحماية للمدنيين، و إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين .
هذه المبادرة و ما تحملها من أهداف سامية و نبيلة، بلا شك ستقود إلى شحذ الهمم نحو ريادة الأعمال الإنسانية التطوعية، من خلال المشاركة الواسعة من قبل أعضاءها من أهل المدينة، و ستسهم في نشر ثقافة السلام و تقوية الصف الداخلي.
◻️ مبادرة بهذه الأهداف و الغايات هي بمثابة نداء عاجل و وعاء استثنائي لأبناء الولاية في الأقاصي و المهاجر، بأن هلموا إلى البناء و الإعمار و إحداث السلام المفقود في المنطقة لسنوات خلت، فالأوطان لا تبني إلا بسواعد بنيها. فهي دعوة مفتوحة للكل من أبناء الولاية، للإستفادة من طاقتهم في التغيير المنشود. فقد تأثرت المنطقة بأكملها و حدثت اختلالات بنيوية جيو.. سياسية و إجتماعية، فرضت على الحكومة و المجتمع تسريع وتيرة المعالجات، و إلا ستؤول الأوضاع إلى إنزلاقات حرجة و قاتلة.