
العالم يقف عند مفترق طرق: إذ ترى منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي أنَّ نظام حقوق الإنسان العالمي القائم على قواعد بات في خطر.
نحن نعيش حاليًا “تدهورا تاريخيًا” لأوضاع حقوق الإنسان العالمية في مختلف بقاع الأرض، بحسب منظمة العفو الدولية . والمقصود بذلك هو النظام الهش المكوّن من اتفاقيات حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان العالمية، والقانون الدولي الإنساني، والمحاكم الدولية. لقد اتفقت الدول على كل ذلك بعد جرائم النازية والحرب العالمية الثانية.
وترى منظمة العفو الدولية “أمنستي إنترناشيونال” أنَّ ذلك كله بات في خطر. “تقوم قوى جديدة ظلامية بحملة تحريض ضد المثل العليا لحقوق الإنسان العالمية”، بحسب ما كتبت أغنيس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، في مقدمة تقرير منظمتها السنوي. وتقوم المنظمة كل عام بتقييم أوضاع حقوق الإنسان في 150 دولة.
تزايد العنف ضد المدنيين والأقليات
لقد سجّلت منظمة العفو الدولية في هذا العام استمرار ثلاثة أشياء: فمن ناحية يتعرض السكان المدنيون في مناطق الحروب لضغوط متزايدة. وحول ذلك قالت يوليا دوخرو، الأمينة العامة لفرع منظمة العفو الدولية بألمانيا، في حوار مع DW: “نحن نصف في تقريرنا السنوي اتجاهًا عامًا يفيد بأنَّ القواعد التي يجب أن تنطبق في النزاعات، والخطوط الحمراء التي وضعها المجتمع الدولي لنفسه، أصبح الالتزام بها يتناقص باستمرار”. وأضافت أنَّ من أمثلة ذلك الصراعات في السودان وغزة وأوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وثانيًا، الأقليات بالذات هي التي تتعرض للخطر في بلدان مختلفة: المثليون، اللاجئون وأصحاب الآراء المختلفة، كما تقول يوليا دوخرو.
وثالثًا، تفشل الدول بشكل متزايد في مواجهة أزمة الالتزام بحقوق الإنسان. وهذا ينطبق بالذات أيضًا على الدول التي التزمت في السابق بحقوق الإنسان العالمية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وتقول يوليا دوخرو: “إدارة الولايات المتحدة الأمريكية تعمل كمُسرِّع اشتعال في أزمة حقوق الإنسان هذه، وتعرِّض بذلك مليارات من الناس في جميع أنحاء العالم للخطر”. وتقول يوليا دوخرو إنَّ حقوق الإنسان مهددة، وتذكر على سبيل المثال العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية وانسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
التركيز من جديد على إسرائيل وغزة
وتركّز من جديد منظمة العفو الدولية بشكل خاص على الحرب في قطاع غزة، والتي أسفرت عن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وقد اندلعت بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 2023. ومنظمة العفو الدولية تكرر الاتهام بأنَّ إسرائيل تمارس “إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين. وذكرت في تقريرها السنوي أنَّ “المجتمع الدولي يراقب بعجز كيف تقتل إسرائيل آلافًا وآلافًا مؤلفة من الفلسطينيين، وتقتل أحيانًا أجيالًا كاملة من عائلات، وكيف تُدمِّر سبل العيش لأعداد كثيرة من الناس، وتدمر المنازل والمستشفيات والمدارس“.
وهذا ما أكَّدته المنظمة في تقرير مكون من 300 صفحة في كانون الأول/ديسمبر العام الماضي. وتهمة الإبادة الجماعية هي مثار جدل. فالحكومة الإسرائيلية ترفضها بشدة، وكذلك يعرب بعض المحامين الدوليين مثل شتيفان تالمون عن شكهم في عمل منظمة العفو الدولية القانوني. ولكن من ناحية أخرى، تتهم منظمات أخرى مثل هيومن رايتس ووتش إسرائيل بارتكاب “أعمال إبادة جماعية”، مثل التجويع المتعمد للسكان المدنيين.
السودان: كارثة إنسانية
وكذلك يتناول التقرير السنوي الأزمة في السودان، الذي يشهد حربًا أهلية منذ أكثر من سنتين، أسفرت عن أسوأ العواقب بالنسبة للأهالي المدنيين وعن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا. وحول ذلك يذكر التقرير أنَّ في السودان “أعداد النازحين أكبر من أي مكان آخر في العالم“.
هذا وقد اتهمت الإدارة الأمريكية السابقة الجماعة المتمردة المشاركة في الحرب (قوات الدعم السريع) بارتكاب إبادة جماعية. بينما لا تتحدّث منظمة العفو الدولية عن ذلك في تقريرها السنوي، وإنما تتحدث عن العنف على كلا الجانبين وتطالب بفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى السودان. ومع ذلك فإنَّ الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا يوليا دوخرو لا تستبعد احتمال أن تستنتج في المستقبل منظمة العفو الدولية أيضًا وقوع إبادة جماعية في حالة السودان.
تركيز الاهتمام على الاحتجاجات في ألمانيا
وفي حالة ألمانيا، تنتقد منظمة العفو الدولية قوانين اللجوء المشددة وكذلك التعامل مع الاحتجاجات. وحول ذلك تقول يوليا دوخرو إنَّ حركة المناخ تم تجريمها وقد “شهدنا في احتجاجات التضامن مع فلسطين حظرًا شاملًا وعنفًا من قبل الشرطة وإجراءات غير متناسبة من جانب السلطات”. وتذكر منظمة العفو الدولية من أمثلة ذلك إلغاء مؤتمرات وإصدار المحاكم أحكاما تقضي بمنع شعارات وعمليات الشرطة وتدخلاتها في المظاهرات؛ وترى منظمة العفو الدولية أنَّ جميع هذه الإجراءات قمعية جدا بشكل عام.
ولم يتناول التقرير الهجمات على الصحفيين ضمن سياق المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. وكذلك لم يذكر التقرير بشكل صريح الاعتداء البدني على الطالبة اليهودية لهف شابيرا في شباط/ فبراير 2024 أمام مطعم في برلين، والذي صنَّفته المحكمة الآن على أنَّه معادٍ للسامية. وردًا على سؤالها حول ذلك، قالت يوليا دوخرو: “نحن نحارب معاداة السامية وجميع المواقف والاعتداءات المعادية للبشر، وأيضًا المبنية على العنصرية وكراهية الإسلام”. وأضافت أنَّ المنظمة لم توثِّق بنفسها قضية لاهف شابيرا: “لا يمكننا أن ننشر إلا ما نتحقق منه ونوثِّقه بأنفسنا