“وجهٌ مضيء من ضفاف النيل”… أزهري المبارك ورحلة إنسان يتقد بالنبل قبل المال
كتبه: فائز الزاكي حسن

على ضفاف النيل الهادئ، حيث تنحني النخيل في خجل وتتناثر الرمال مثل حروفٍ قديمة من دفتر الشمال، يبرز اسمٌ صار بمثابة نبضٍ إنساني وسط العواصف التي تضرب السودان. إنه أزهري المبارك… رجل الأعمال الذي لم يغيره المال، بل كشف فقط ما كان يسكنه منذ زمن بعيد: قلبٌ يسع الناس، ومروءة تتجاوز حدود قدرة الفرد، وتشبّثٌ أصيل بالقيم التي تربى عليها أبناء شمال السودان.
ليس جديدًا عليه… وإنما جديدٌ على العلن:

في مدينة الدبة، حيث يصل الآلاف من الفارين من الفاشر المثخنة بالجراح، يظهر أزهري اليوم نموذجًا استثنائيًا لما يجب أن يكون عليه رجال الأعمال حين يلتقون مع إنسانيتهم قبل ثرواتهم. يقف وسط المخيمات، يتنقّل بين الخيام، ويقرأ الوجوه التي أنهكتها الرحلة الطويلة… ثم يمد يده لا منّة، بل واجبًا يراه جزءًا من رسالته تجاه أهله وبلده.
لكن كل هذا – كما يقول المقربون منه – ليس طارئًا عليه. فالمال لم يخلق إنسانية أزهري، بل منحها فقط نافذة واسعة لتضيء أكثر.
قصةٌ قديمة… ودعوةٌ فتحت له الأبواب

يروي كل من عرفوه قصته الشهيرة: امرأة مسكينة، ضعيفة الحال، التقاها في يومٍ من أيام شبابه. لم تكن تملك إلا دمعةً تستعين بها على قسوة الحياة. وقف معها، دافع عنها، أعانها بما استطاع، ثم مضى دون انتظار مقابل.
لكنها رفعت يديها للسماء، ودعت له بما يشبه البشارة:
“يفتح الله عليك يا وليدي… فتحًا لا يغلق.”
ويقول من أحبه إن تلك الدعوة كانت بداية الطريق… وإن كل ما صار إليه اليوم من خير ورخاء لم يكن سوى امتدادٍ لذلك النقاء الأول.
في الدبة… حيث يتجلى الرجل كما هو
اليوم، في مخيمات الفارين من الفاشر، ترى صورة أزهري كاملة:
• رجلٌ يضع إنسانيته قبل تجارته،
• يتقدم إلى الوجع قبل الاحتفال،
• ويعتبر أن ما بين يديه ليس ملكًا له وحده، بل أمانة يجب أن تذهب لمن يحتاجها.
لا يتحدث كثيرًا عمّا يفعل، ولا يطلب أن يكتب عنه أحد. يأتي بصمت، يعمل بصمت، ويغادر بصمت… تاركًا أثرًا يشبه أثر الماء حين يعبر الرمل: واضحًا، ونظيفًا، ويستمر حتى بعد أن ينحسر.
وجهٌ يمثل شمال السودان كله :
ليس غريبًا أن يقول أهل الشمال إن أزهري المبارك وجهٌ مشرق يمثلهم.
ففيه تمتزج صفات الرجل الذي تربّى على الكرم بلا إعلان، والشهامة بلا مقدمات، ومساندة الضعيف دون انتظار شكر.
هو صورةٌ أصيلة للإنسان الذي حملته ضفاف النيل، وربّته “ساقية” ما زالت تدور في داخله، ورسمته الطبيعة التي تعلم أبناءها أن نخلةً واحدة يمكن أن تظلل عشرات… وأن إنسانًا واحدًا يمكن أن يخفف ألم مئات.
الإنسان قبل رجل الأعمال :

ربما سيكتب التاريخ لاحقًا عن مشاريع أزهري المبارك، وعن نجاحه في عالم المال. لكن الناس – الذين يبحثون اليوم عن ما يضيء عتمة الحرب – سيذكرونه بهذا المشهد
رجل أعمال يحمل قلبًا أكبر من حساباته، ويقف في الدبة كأنما يريد أن يمسح دموع الفاشر كلها.
أزهري المبارك…
ليس مجرد رجل أعمال، بل قصة إنسانية تمشي على الأرض، ودليلٌ حيّ على أن في السودان – رغم الحرب – رجالًا يشبهون الوطن حين كان معافى… طيبًا، كريمًا، ومفتوح القلب مثل مجرى النيل…