النفير نظام اجتماعي درج عليه أهل السودان منذ زمن بعيد، وينتشر دائماً في القرى وقليلاً في المدن وهو عملٌ يعكس ترابط المجتمع السوداني الذي تسود فيه روح التكافل ومساندة الضعيف، وتربط بين أفراده الشهامة والنخوة والمروءة، والنفير في مرّات كثيرة لا يحتاج إلى نداء فعندما يتهدّم بيت احدهم او حتى حائطه بفعل السيول والأمطار او الفيضانات، يسارع أهل «الفريق» والقرية لبناء المنزل او الحائط الذي تهدم، في زمن وجيز. والنفير بكل بساطة، مجموعة من الناس في الحي أو القرية ينجزون عملاً لصالح شخص ما، وعلى هذا الشخص أن يُلبّي النداء لأي نفير في القرية.
والنفير لا يقتصر فقط على بناء المنازل، فنجده في الزراعة والحصاد، و بناء المسجد، ونفير الكوارث مثل عمل حاجز ترابي لصدّ الفيضانات، ويمكن أن نطلق على كل عمل اجتمعت عليه مجموعة من الناس بلا مقابل نفيراً.
والثقافة السودانية حاضرة بأمثالها في تعزيز ثقافة النفير ونجد عدداً من الأمثال التي تنادي بالعمل الجماعي مثل (إيد على إيد تجدع بعيد)، واخرى تشجب العمل الفردي مثل (اليد الواحدة ما بتصفّق)، بمعني ان الفرد لا ينجز الكثير بعكس الجماعة.
وعادة في النفير خاصة في الزراعة تكون الأغاني والأهازيج المحفزة للعمل حاضرة وتعني بداية يوم خريفي يرتحل فيه المزارعون صباحا من القرية نحو «بلاد» أو حقل أحدهم لمشاركته فلاحة ونظافة الأرض من الحشائش ، ودائما يحدد صاحب «الفزعة» مكان النفير وزمانه، وفي اغلب الأحيان يصبح النفير ديناً مسترداً لكافة المشاركين فيه صغارا وكبارا من الأهل والأصدقاء والمعارف إلا من تقدم بعذر مقبول للجميع.
وتجدر الإشارة الى الفنان الجميل أبوعركي البخيت غنى لهذه العادة المتوارثة.
ديل اهلي الغبش دغشاً
بدير مرقو النفير
شالوا النهار حتى العصير
ماكلو يوم ولاقصروا
امل الغبش ينزل سحاب
يروي الأرض ويحي التراب
العيش يطول وسط الكداب
زرعاً غزير ما أنضرو