اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، فالأمة التي تهمل حاجات ضعافها وأصحاب الحاجة فيها لهي بحق أمة مريضة مآلها القعود في آخر صفوف الأمم المتطلعة للمواكبة الحضارية، وتحدد السنة مقدار نفع الإنسان بمدى نفعه للآخرين من البشر، مسلماً أكان أم غير مسلم، ولا تستثنى السنة الشريفة أحداً مهما كان حاله حتى إذ عجز لفقره أو ضعف قوته وحيلته أو تواضع فكره عن التطوع منحته السنة المشرفة فرصة المشاركة، وما أجمل قول رسول الله في ذلك: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة».
لقد انعكس هذا الاهتمام في التعاليم الإسلامية سلوكاً وعملاً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى التابعين حتى أن قصصهم في البذل بالمال والجهد والفكر أكثر من أن تحصى أو تحكى، والكتب الإسلامية التاريخية تفيض بهذه القصص، وكان الخلفاء الراشدون المهديون القدوة الحسنة -بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم – في التطوع احتساباً للأجر والجزاء من الله سبحانه وتعالى، فهذا أبو بكر كان يحلب للحي أغنامهم واستمر على ذلك حتى بعد أ، أصبح خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر كان يحمل فوق ظهره الدقيق ليصل به إلى محتاج ويساعد وزوجته أم كلثوم بنت علي امرأة في المخاض، وعثمان ذو النورين أنفق كل ماله في جيش العسرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماضر عثمان ما فعل بعد اليوم، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم». وكان علي يكنس بيت مال المسلمين بنفسه، رضي الله عنهم أجمعين.
ووصل العمل المؤسسي ووضع القواعد المنظمة لها شأواً كبيراً في الفكر الإسلامي، فأفرد علماء المسلمين من الفقهاء والمحدثين أبواباً في كتبهم تبين الأحكام التفصيلية لكثير من الأعمال التطوعية، مثل أحكام الوكالة وأحكام الكفالة وأحكام اللقطة وكلها تستند أساساً على أعمال التطوع، وكل فروض الكفايات كما أسلفنا، والتي لها أبوابها وقواعدها في الفقه الإسلامي هي من الأعمال التطوعية.
يرتكز العمل الخيري والعمل التطوعي في البلاد العربية والإسلامية على قاعدة تاريخية وثقافية وتقاليد موروثة ثرة، فضلاً عن أن العمل التطوعي يرقى إلى درجة الواجب الملزم عند المسلمين متى ما دعت الضرورة ولم يقم بعض المسلمين بسد النقص الناتج عن غيابه (في فروض الكفايات)، ومع ذلك تقبع الدول العربية في آخر القائمة في مقدرتها على تفعيل العمل التطوعي ومساهمة القطاع الثالث برمته في مجتمعاتها في النمو البشري، وقد أضحى ضرورة في ظل ما تشهده الدول العربية من وضع يحتم أن يسهم القطاع الثالث بنصيبه في التنمية المستدامة، والعالم كله يعيش حركة نشطة ومتصاعدة في تفعيل مشاركة المجتمع المدني في النمو والرفاه في المجتمعات. إن تراجع الثقافة التطوعية في المجتمعات العربية ينبئ في المجتمعات. إن تراجع الثقافة التطوعية في المجتمعات العربية ينبئ عن خلل في البنية المؤسسية في غالب إدارات العمل العربية، كما في إدارات العمل الخيري التي غالباً ما تغيب عنها أدبيات وسياسات الإدارة الاستراتيجية والاحترافية العلمية للعمل الخيري وللتطوع بوصفه علماص له أسسه وقواعده.. ومن هذه المعرفة ثم وضع الحلول وفقها فقط يمكن أن ننطلق بالعمل التطوعي العربي، وإدارة الأعمال في مختلف القطاعات العربية أيضاً إلى آفاق النجاح.